تركت ما كنت فيه، وتوجهت إلى النافذة، ثم جلت بنظري في الخارج لأتأكد من عدم وجود أحد، وعندما رأيت الباحة الخلفية خالية، أحسست بالارتياح، فأغلقت الستائر، وعدت إلى منتصف الغرفة.
ومرة أخرى توجهت إلى القبلة، واعتدلت في وقفتي، ورفعت يدي إلى أن لامس الإبهامان شحمتي أذني، ثم همست «الله أكبر».
وبصوت خافت لا يكاد يسمع، قرأت الفاتحة، فاتحة الكتاب ببطء وتلعثم، ثم أتبعتها بسورة قصيرة باللغة العربية، وإن كنت أظن أن أي عربي لم يكن ليفهم شيئًا لو سمع تلاوتي تلك الليلة.
ثم بعد ذلك تلفظت بالتكبير مرة أخرى بصوت خافت، وانحنيت راكعًا حتى صار ظهرى متعامدًا مع ساقى، واضعًا كفي علي ركبتي، وشعرت بالإحراج؛ إذ لم أنحن لأحد فى حياتي، ولذلك فقد سررت لأنني وحدي في الغرفة، وبينما كنت لا أزال راكعًا، كررت عبارة «سبحان ربي العظيم» عدة مرات، ثم اعتدلت واقفًا وأنا أقرأ: «سمع الله لمن حمده»، ثم «ربنا ولك الحمد».
أحسست بقلبي يخفق بشدة، وتزايد انفعالي عندما كبّرت مرةً أخرى بخضوع، فقد حان وقت السجود، وتجمدت في مكاني، بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي؛ حيث كان عليّ أن أهوي إليها علي أطرافي الأربعة، وأضع وجهي على الأرض.
لم أستطع أن أفعل ذلك.
لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى الأرض، لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي علىالأرض، شأنَ العبد الذي يتذلل أمام سيده، لقد خيل لي أن ساقى مقيدتان لا تقدران على الانثناء، لقد أحسست بكثير من العار والخزي، وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم، وهم يراقبونني، وأنا أجعل من نفسي مغفلاً أمامهم، وتخيلت كم سأكون مثيرًا للشفقة والسخرية بينهم، وكدت أسمعهم يقولون: «مسكين، فقد أصابه العرب بمسّ في سان فرانسيسكو، أليس كذلك؟».
وأخذت أدعو: «أرجوك، أرجوك أعنّي على هذا»، أخذت نفسًا عميقًا، وأرغمت نفسي على النزول، الآن صرت علي أربعتي، ثم ترددت لحظات قليلة، وبعد ذلك ضغطت وجهي على السجادة.