يروي أهل التفسير أن هناك عابداً من بني إسرائيل كان يعبد الله عز وجل أربعين سنة ولم يقدر عليه الشيطان فلننظر إلى حكايته و إلي العجب في آمرة أربعون عاماً لم يقدر علية إبليس ولا أعوانه فجمع إبليس الشياطين والمردة وصح عن النبي r أن لإبليس عرش علي الماء يجمع به أعوانه والمردة من الشياطين يجمعهم ثم يرسلهم علي بني أدم ليضلهم عن سبيل الله فتجمع أعوانه فقال لهم من منكم يقدر علي هذا العابد فإن لنا أربعون عاماً لم نقدر علية فجاءة شيطان يدعى الشيطان الأبيض الذي كان يتصدى للأنباء والمرسلين قال أنا أتكفل به قال اذهب إليه فتمثل هذا الشيطان في صورة رجل راهب عابد ساجد لله فأتاه في الصومعة فدخل علية يناديه فلم يجبه العابد وكان يصلي عشرة أيام ولا يرتاح بعد العشرة أيام إلا يوماً واحداً فدخل علية الشيطان في صورة راهب وتمثل له أنه يصلي بجواره وأخذ يصلي بجواره عشرة أيام يتمثل إليه ونظر إلي صبره ونظر إي طول نفسيه ونظر إلي خطواته خطوة خطوة فلم انتهى من عشرة أيام نظر إلية العابد قال ما تريد وما شأنك قال جئت أتمثل بك وأعبد الله عز وجل مثلك وأصلي وأركع فتركة ذلك العابد و جلس معه يصلي فزاد ذلك العابد في صلاته فكان لا ينقطع عن الصلاة أربعين يوماً ويصوم أربعين يوماً ولا يفطر إلا يوماً واحداً حتى يختبره هل يصبر أو لا يصبر وكان الشيطان لخبثه ولمكره يصلي معه أربعين يوماً و يصوم معه أربعين يوماً ولا يفطر إلا يوماً واحداً و لا يرتاح معه إلا يوماً واحداً فتحمله سنة ً كاملة ً علي هذا الحال يصلي ويصوم ويذكر الله معه وتمثل له بأنه عابد رهب راكع ساجد خاشع لا يريد من الدنيا شيء فلما انتهى الحول قال له الشيطان ظننت أنك تعبد الله خيراً من هذا أخبروني عنك بأنك تعبد الله وما كنت أظن أنك بهذا الضعف في العبادة قال ماذا تقول قال أريد أن أبحث عن غيرك يعبد الله أكثر منك قال اجلس وكأن العابد قد تشوق إليه قال سوف أتركك لأبحث عن غيرك أعبد الله معه ولكني أعلمك كلمات احفظها ينفعك الله بها قال وما هي هذه الكلمات قال كلمات إذا قلتها علي مريض شفاه الله وإذا قلتها علي مبتلي عافه الله قال وما هي هذه الكلمات قال احفظها فعلمه كلمات ثم ذهب وتركه فجاء إلي إبليس فقال إليه إبليس ما صنعت بذلك الرجل قال قد أهلكته قال كيف هذا قال اصبر فذهب الشيطان إلي رجل بين الناس فخنقه وصرعه فسقط مجنون فبحث الناس له عن طبيب فتمثل الشيطان علي صورة طبيب فجاء للناس فقال للناس أنا أعالجه وأطببه فأتوا بذلك المجنون إلي ذلك الطبيب فقال إن به جنون لا يقدر عليه إلا رجلا ًواحد من الناس قالوا دلنا علية فدلهم علي ذلك العابد فذهبوا به إلي ذلك العابد فقراء علية تلك الكلمات فتخلي الشيطان عنه فإذا به يرجع معافاة كما كان فصرع الشيطان أخر و ثالثاً ورابعاً وخامساً فانتشرت سيرته بين الناس أن هذا العابد عنده كلمات إذا قراءها علي رجل مريض شفاه الله حتى ذهب الشيطان إلي جاريةٍ للملك ولحاشيته فصرعها فذهبوا بها إلي ذلك العابد الزاهد فقال لهم إنني لا أقرأ علي النساء وطردهم فقال الشيطان لهم اجعلوها في غارٍ عنده فإذا جنت وصرعه أتاها فقراء عليها فشفيت بإذن الله فجعلوها في الغار فأتاه الشيطان وقال له انظروا إلي خطواته والله جل وعلي يقول( وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) أتاه فقال له هذه جارية مريضة مسكينة إقراء عليها لتذهب إلي أهلها لما تجلس في هذا الغار لوحدها فربما أتاها أهل السوء ولربما فعلوا فيها كذا وكذا انزل إليها وقرء عليها ولتذهب فنزل ذلك العابد من صومعته إلي ذلك الغار فلما اقترب من الغار صرعها الشيطان فلما صرعها ألقت ما عليها من ثياب وهي لا تشعر فلما دخل هذا العابد نظر إلي جسد لم ينظر إليه طوال حياته و لم يره طوال عمرة نظر إلي ذلك الجسد فلتفت فوقع الشيطان في قلبه فقال رأيت فأخذ يذكره بتلك الصورة ويقول له ارجع إليها و اقرأ عليها فرجع فنظر و إذا الجسد عارٍ وما زال به مرة ومرتين وثلاث حتى وقع العابد علي تلك المرأة فزنا بها أربعون عام يعبد الله ولكن الشيطان إلي الآن لم يرضى بذلك أخذ يراوده مرة ثانية وثالثة ورابعة حتى وقع عليها مرآة طويلة حتى حملة منه فجأة الشيطان وقال له تفعل هذا ولربما أتى أهلها فنظروا إليها فافتضحت ونكشف أمرك وتكلم الناس عليك وعلي أمثالك من العباد قال للشيطان ماذا أفعل قال أقتلها ثم تب إلي الله فإن الله غفور رحيم فأتها ذلك العابد بعد أن زنا بها وارتكب الفاحشة فقتلها وقتل ما في بطنها فقال له الشيطان اذهب ودفنها في مكان كذا وكذا حتى لا يراها أحد فإذا أتاها أهلها فقل إن الشيطان صرعها وذهب بها فدفنها ثم جاء أهلها يسألون عنها قالوا أين فلانة يا فلان قال ونظروا إلي الجريمة الثالثة الزنا ثم القتل ثم الكذب فقال لهم إن الشيطان قد أتاها وصرعها وذهب بها ولا أدري إلي أين فأخذوا يبحثون عنها فلما يأسوا رجعوا إلي بيوتهم وقد صدقوا ذلك العابد فجاء الشيطان للثلاثة الذين كانوا يبحثون عن الفتاه فجاءهم في المنام وقال لكل واحد منهم إن أختكم وجاريتكم لم يذهب بها الشيطان بل قتلها ذلك العابد بعد أن زنا بها ودفنها عند جبل كذا كذا فلما استيقظوا قال الأخ الأصغر إني قد رأيت في المنام كذا وكذا وقال الأوسط وأنا كذلك وقال الأكبر وأنا كذلك لكنهم ذهبوا إلى العابد قالوا رأينا في المنام كذا وكذا فقال تتهموني وأنا العابد تتهموني وأنا المصلي الراكع الساجد قالوا لا والله لا نتهمك ثم رجعوا فجاءهم الشيطان مرة أخري وقال لهم لقد كذب عليكم مرة ثانية اذهبوا إلى مكان كذا وكذا و سوف ترون بعضاً من ثيابها فذهبوا إلى مكان كذا وكذا فحفروا فإذا بأختهم مقتولة وإذا بجنينها معها فذهبوا إلي ذلك العابد وقالوا له كذبت علينا قاتلك الله فأخبروا الملك فأمر بصلبة فهدموا صومعته ومسجده ثم ربطوا عنقه بحبل وجروه بين الناس ليفتضح أمره ثم جيء به إلي الملك أمام الناس لقتل ويصلب فجاءه الشيطان وقال له هل عرفتني قال لم أعرفك قال أن الذي عبت الله معك سنه كاملة وعلمتك الكلمات قال ماذا تريد قال إنك إن قتلة افتضح أمرك وإن قتلت تكلم الناس علي أمثالك من العباد قال كيف المخلص قال أتريد أن تتخلص من الذي أنت فيه قال نعم ولا يراك الناس قال نعم قال اسجد لي سجدة واحدة وأنا أخلصك من ما أنت فيه فلما استكان له وستجاب له وهو يريد الخلاص سجد له سجدة واحدة فلما سجد قال الشيطان له إني بريء منك فقتله الملك علي الكفر بالله جل وعلى .
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ.
وتنتهي القصة بفوز الشيطان علي العابد لأنه اتبع خطواته فلا تكون أخي الكريم ولا تكوني أختي الكريمة من الذين ينهزمون أمام الشيطان ويتبعون خطواته خطوة خطوة لهدف واحد فقط هو الفوز بالشهوات الزائلة والدنيا الفانية وإرضاء النفس الأمارة وأود أن أقول لكم أن كيد الشيطان ضعيف جداً كما قال الله
(فَقَاتِلُوا أُوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)
فلم ينتصر علينا والله ما ينتصر علينا إلا لضعف نفوسنا وبعدنا عن ربنا وإلا فإن إبليس نفسه يعترف بأنه ليس له قدرة علي عباد الله المخلصين قال الله علي لسان إبليس اللعين
(َ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَاد مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ )